الرئيسية > محلية > بعد ست سنوات من التوقيع.. هل شكل اتفاق الرياض وسيلة لتكريس النفوذ والانقسام؟!

بعد ست سنوات من التوقيع.. هل شكل اتفاق الرياض وسيلة لتكريس النفوذ والانقسام؟!

في مثل هذا الشهر، وتحديدًا في الخامس من نوفمبر 2019، وُقّع في العاصمة السعودية "اتفاق الرياض" بين الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والمجلس الانتقالي الجنوبي، وسط آمال كبيرة بإنهاء الصدامات المسلحة وتوحيد الصف لمواجهة الانقلاب الحوثي.

 

وعلى الرغم من أن هذا الاتفاق كان حينها لحظة سياسية فارقة أعادت الأمل بإعادة ترتيب مؤسسات الدولة وتخفيف الانقسام داخل معسكر الشرعية، إلا أن السنوات الست التالية حملت واقعًا أكثر تعقيدًا، تراجع فيه التنفيذ وتبددت كثير من الوعود.

 

فمنذ توقيعه، واجه اتفاق الرياض عراقيل كبيرة، حيث تأخر تنفيذ كثير من بنوده، خصوصًا الأمنية والعسكرية منها، وتعمقت الخلافات حول الصلاحيات والنفوذ، فيما بقيت الحكومة عاجزة عن فرض سلطتها على الأرض، وسط استمرار هيمنة قوى الأمر الواقع في المحافظات الجنوبية.

 

ومع تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل 2022، تراجع تنفيذ الاتفاق عمليًا، وأصبح المجلس إطارًا سياسيًا جديدًا يضم أبرز القوى الموقعة عليه، لكن التباينات الداخلية استمرت، وتدهورت أوضاع المواطنين على وقع الانقسام الأمني والاقتصادي، حتى أصبح اليوم اتفاق الرياض مجرد وثيقة تسوية، شاهدة على عمق الأزمة اليمنية وتعدد مراكز القرار داخل معسكر الشرعية.

 

أهم بنود اتفاق الرياض (2019)

 

وقع اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا والمجلس الانتقالي الجنوبي برعاية المملكة العربية السعودية في الخامس من نوفمبر 2019، بهدف توحيد الصف الوطني، وإنهاء الصراعات المسلحة، وتفعيل مؤسسات الدولة، ضمن التزام الأطراف بالمرجعيات الثلاث: "مخرجات الحوار الوطني، ومبادرة مجلس التعاون الخليجي، وقرارات مجلس الأمن".

 

البنود السياسية والاقتصادية:

 

 

* تشكيل حكومة كفاءات سياسية مناصفة بين الشمال والجنوب تضم 24 وزيرًا.

 

* إعادة تفعيل مؤسسات الدولة في مختلف المحافظات، وضمان صرف الرواتب والمستحقات.

 

* تعيين المحافظين ومديري الأمن وفق معايير الكفاءة والنزاهة.

 

* إدارة موارد الدولة بشفافية، وتفعيل الرقابة المالية ومكافحة الفساد.

 

* مشاركة المجلس الانتقالي في مشاورات الحل السياسي النهائي لإنهاء الانقلاب الحوثي.

 

البنود العسكرية:

 

* عودة القوات إلى مواقعها السابقة ونقل الأسلحة الثقيلة والمتوسطة تحت إشراف التحالف العربي.

 

* توحيد القوات العسكرية وضمها لوزارة الدفاع خلال 60 يومًا، مع إعادة تنظيم القوات في المحافظات الجنوبية على مراحل.

 

* تشكيل قوات خاصة ومكافحة الإرهاب في عدن بالتعاون بين الشرعية والمجلس الانتقالي، وتعيين قادة لها.

 

البنود الأمنية:

 

* إعادة تنظيم قوات الشرطة والنجدة وربطها بمديري الأمن المحليين، مع توحيدها تحت وزارة الداخلية.

 

* تشكيل قوة حماية المنشآت المدنية والحيوية وحماية الحكومة ومؤسسات الدولة في عدن وبقية المحافظات.

 

* دمج التشكيلات الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي ضمن القوات الحكومية وفق خطط محددة وزمنية واضحة، مع تدريب الكوادر واختيار العناصر على أساس الكفاءة.

 

الإشراف والمتابعة:

 

* تشكيل لجنة برئاسة المملكة العربية السعودية لمتابعة تنفيذ الاتفاق وملحقاته، وضمان التنسيق بين الأطراف وإدارة الصراع مع الحوثيين ومواجهة التنظيمات الإرهابية.

 

إنجازات وتعثر بنود الاتفاق

 

كان من أبرز الإنجازات الجزئية لاتفاق الرياض خلال السنوات الماضية تشكيل حكومة شراكة في ديسمبر 2020 تضم 24 وزيرًا مناصفة بين الشمال والجنوب بمشاركة المجلس الانتقالي، ما اعتُبر حينها مؤشراً إيجابيًا لتجاوز الخلافات.

 

كما ساهم الاتفاق في وقف المواجهات العسكرية في عدن وأبين وتهدئة الأوضاع الأمنية نسبياً، إضافة إلى عودة بعض أعضاء الحكومة لممارسة مهامهم الإدارية في العاصمة المؤقتة.

 

إلا أن البنود العسكرية والأمنية الجوهرية، خصوصًا دمج قوات الانتقالي ضمن وزارتي الدفاع والداخلية، لم تُنفذ، وظلت التشكيلات المسلحة تحت قيادة منفصلة، ما أبقى الوضع الأمني هشًا ومتقلبًا، كما لم تتمكن الحكومة من الاستقرار الكامل في عدن نتيجة التوترات والهجمات المتكررة.

 

وبشان البنود المتعلقة بتفعيل المؤسسات المحلية وتوحيد الأجهزة الأمنية والإدارية، ما زالت تراوح مكانها، مع استمرار ازدواجية القرار في المحافظات الجنوبية وتأخر التعيينات الإدارية والأمنية في باقي المناطق، إضافة إلى تدخل رئيس المجلس الانتقالي بصلاحيات رئيس مجلس القيادة ورئيس الوزراء بإصدار قرارات جمهورية وتنفيذها بالقوة.

 

وفي المجمل، رغم تحقيق الاتفاق تقدماً سياسياً جزئيًا، إلا أن الكثير من جوانبه، خصوصًا العسكرية والأمنية منها، ظلت معلّقة، مما جعل اتفاق الرياض مجرد إطار سياسي استغله إحدى الأطراف لتعزيز نفوذه، أكثر من كونه واقعًا تنفيذياً لتنظيم العلاقة بين الطرفين.

 

تعثر واستغلال الاتفاق

 

يرى المحلل السياسي د. توفيق العسلي أن فشل تنفيذ معظم بنود اتفاق الرياض بعد مرور ست سنوات يعود إلى تعقّد البنية السياسية اليمنية وضعف الإرادة الإقليمية، مشيرًا إلى أن الاتفاق جاء لمعالجة أعراض الأزمة وليس جذورها، واستغله بعض الأطراف لإعادة التموضع التكتيكي، كما افتقر إلى آلية تنفيذية واضحة، مما جعل تطبيقه انتقائيًا ومجزأً.

 

وأضاف العسلي في تصريح خاص لـ "المصدر أونلاين" أن اختلاف أولويات الرعاة الإقليميين، خصوصًا بين الرياض وأبوظبي، ساهم في ضعف التنسيق وتعدد مراكز القرار، فيما ركزت الأطراف على أولويات عاجلة مثل إدارة الصراع مع الحوثيين والبحث عن هدنة إنسانية، بدل الالتزام بتفاصيل الاتفاق.

 

وأكد العسلي أن مجلس القيادة الرئاسي شكّل تحوّلًا مؤسسيًا أكثر منه تجاوزًا سياسيًا للاتفاق، إذ أتاح للانتقالي الجنوبي التمثيل في أعلى هرم السلطة، ويظل امتدادًا طبيعيًا للاتفاق في الهدف (توحيد الصف) وتجاوزًا له في الأداة (إعادة صياغة السلطة)، رغم تجاوزه العديد من تفاصيل الاتفاق القديمة، خصوصًا الأمنية والإدارية.

 

وأشار إلى أن الاتفاق نجح مؤقتًا في تجميد الصدام العسكري بين القوى المتنافسة، لكنه نقل الخلاف إلى مؤسسات الدولة، ما رسّخ الانقسام بأسلوب مؤسسي، فيما استغلت بعض الأطراف الاتفاق لتكريس نفوذها المحلي.

 

واعتبر أن السعودية لعبت دور الضامن السياسي والدبلوماسي، فيما ركّزت الإمارات على الشق الأمني والعسكري، لكن التباين بينهما أضعف التنفيذ، ومع المتغيرات الإقليمية الأخيرة أصبح التعامل مع الملف اليمني أكثر براغماتية وأقل تدخلاً مباشرًا، مما أضعف زخمه دون أن يفقد رمزيته.

 

وأوضح العسلي أن اتفاق الرياض ما زال وثيقة سياسية مرجعية، لكنه بحاجة لمراجعة وتطوير لمواكبة الواقع الجديد، مع إدماج بنود لإدارة الموارد وتوزيع السلطة وتوحيد المؤسسة العسكرية، مشددًا على أن نجاح أي اتفاق مستقبلي يعتمد على الإرادة الوطنية وتوازن المصالح الإقليمية وقدرة القيادة على تحويل الاتفاقيات إلى واقع ملموس.

 

مجلس القيادة يغيب الاتفاق

 

وفي الشأن العسكري والأمني للاتفاق، يرى المحلل العسكري علي الذهب أن ما تحقق من اتفاق الرياض على المستوى الأمني والعسكري لا يتجاوز الحد الأدنى، مشيرًا إلى استمرار الفصل بين التشكيلات المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي والقوات الحكومية من حيث التنظيم والإدارة والتمركز على الأرض.

 

وقال الذهب في تصريح خاص لـ "المصدر أونلاين" إن التحولات السياسية التي أعقبت الاتفاق، وعلى رأسها انتقال السلطة إلى مجلس القيادة الرئاسي، أسهمت جزئيًا في تعزيز بعض الجوانب الأمنية والعسكرية، لكنها طغت على الاتفاق وجعلته بمثابة ذكريات من الماضي.

 

وأشار الذهب إلى أن المسار السياسي والأمني والعسكري لم يشهد أي إنجاز استراتيجي، وظل محكومًا بخطوط تصعيد مستمرة، مؤكدًا أن تشكيل هيئة عمليات مشتركة للربط بين مختلف الوحدات العسكرية أوجد وجهًا للتعاون، لكنه عزز الانقسام التنظيمي والإداري والمالي بينها، دون أن يحدث أي تغيير فعلي على الأرض.

 

وأوضح أن التغاضي عن هذا الوضع فتح الباب أمام تشكّل تشكيلات مسلحة شبه مستقلة في شبوة وحضرموت، وأخرى تقترب من هذا الوضع في مناطق سيطرة الانتقالي، ما يعكس تعقيدات متصاعدة تواجه جهود إصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية في اليمن، وفق اتفاق الرياض 2019 وإعلان انتقال السلطة 2022.

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)