مهيوب الأنسي

جريمة اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي… اغتيال حلم شعب بأكمله

مهيوب الأنسي
الاربعاء ، ١٥ اكتوبر ٢٠٢٥ الساعة ٠٩:٤٠ مساءً

  

لم تكن جريمة اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي مجرد حادثة سياسية عابرة أو تصفية لرجل دولة، بل كانت ـ في جوهرها ـ جريمة اغتيال لشعبٍ بأكمله، ولحلمٍ وطني كان يوشك أن يتحقق. لقد شكّل الحمدي حالة فريدة في تاريخ اليمن الحديث، وصار خلال سنوات حكمه القليلة رمزًا للأمل في بناء دولة النظام والقانون والتنمية والعدالة. لكن يد الغدر امتدت في لحظةٍ مظلمة من تاريخ البلاد، لتغتال الرجل والمشروع معًا، وتعيد عقارب الزمن إلى الوراء.

حلم الدولة الحديثة 

تسلّم الرئيس إبراهيم الحمدي مقاليد الحكم في 13 يونيو 1974، وسط أوضاع سياسية واقتصادية معقدة. غير أنه استطاع خلال فترة وجيزة أن يُحدث نقلة نوعية في بنية الدولة، وأن يفتح آفاقًا جديدة للتنمية والتحديث. فقد أطلق برنامجًا تنمويًا شاملًا هدفه إرساء دعائم دولة مدنية حديثة، وتحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية حقيقية.

في عهده، شهدت البلاد إنشاء الطرقات وشبكات النقل، وتوسيع المطارات والموانئ، والتواصل مع شركات أجنبية للتنقيب عن النفط والغاز والمعادن. كما أُنشئت محطات لتوليد الكهرباء، وعُززت مجالات التعليم والبنية التحتية والصناعة والاستثمار، مما جعل فترة حكمه القصيرة تُعرف بـ«العصر الذهبي الجديد».

سياسة خارجية متزنة 

انتهج الحمدي سياسة خارجية متوازنة، فتوسّع في علاقات اليمن الدبلوماسية، ونجح في بناء جسور مع مختلف القوى الإقليمية والدولية دون ارتهان لأي طرف. وقد منحه ذلك حضورًا سياسيًا قويًا، وجعل مشروعه النهضوي محط أنظار الداخل والخارج على السواء، في وقتٍ كان فيه اليمن يخطو أولى خطواته نحو التحديث الحقيقي.

جريمة لم تكن عادية 

غير أن هذا المشروع الطموح لم يَرُق لكثيرين. فقد تلاقت إرادات داخلية وخارجية لوأد التجربة في مهدها. نفّذت أيادٍ يمنية عميلة جريمة الاغتيال بتخطيط وتنسيق مع أطراف خارجية، لتُسدل الستارة على واحدة من أنصع الصفحات في تاريخ اليمن الحديث، في 11 أكتوبر 1977، بينما كانت البلاد تستعد للاحتفال بالعيد الرابع عشر لثورة أكتوبر.

لقد شكّل اغتيال الحمدي صدمة كبرى للشعب اليمني، الذي رأى في قائده الشاب رمزًا للنزاهة والعدل والانضباط، وقائدًا استثنائيًا كسر النمط التقليدي للسلطة، وبدأ يضع اللبنات الأولى لمشروع دولةٍ مؤسساتية حقيقية. لقد كانت الجريمة اغتيالًا للحلم الكبير، أعادت اليمن عقودًا إلى الخلف، وأدخلت البلاد في دوامة صراعات سياسية وعسكرية لا تزال آثارها ممتدة حتى اليوم.

رمز خالد في الذاكرة الوطنية 

رغم مرور السنين، بقي إبراهيم الحمدي حاضرًا في الذاكرة الجمعية للشعب اليمني، رمزًا للنقاء السياسي، والإدارة الصادقة، والرؤية الوطنية الواضحة. فما زال اسمه يتردد في وجدان اليمنيين جيلاً بعد جيل، باعتباره القائد الذي أضاء شمعة النهضة، قبل أن تُطفئها رياح المؤامرة.

إن جريمة اغتيال الحمدي لم تكن فقط اغتيالًا لشخص، بل كانت اغتيالًا لمشروع دولةٍ كان يمكن أن يغيّر وجه اليمن إلى الأبد. وسيظل هذا الحدث علامةً فارقةً في التاريخ الوطني، تذكّر اليمنيين دائمًا بحجم الفرصة التي ضاعت، وبالقائد الذي رحل قبل أن يكتمل الحلم.

 

 

 

شريط الأخبار