قالت منظمة هيومن رايتس ووتش اليوم إن سلطات الحوثيين احتجزت العشرات خلال الأسبوع الأخير من سبتمبر/أيلول 2025، كما حدث في السنوات السابقة، على خلفية احتفالهم السلمي أو نشرهم على وسائل التواصل الاجتماعي بمناسبة ذكرى ‘ثورة 26 سبتمبر’ في اليمن.
ويُخلِّد هذا اليوم ذكرى قيام الجمهورية العربية اليمنية عام 1962، بينما يرى الحوثيون –وهم السلطة الفعلية التي تسيطر على العاصمة صنعاء ومعظم مناطق شمال البلاد– أن يوم 21 سبتمبر، تاريخ سيطرتهم على صنعاء، هو اليوم الذي يجب الاحتفال به بدلاً من ذلك.
وقالت نيكو جعفرنيا، الباحثة في شؤون اليمن والبحرين في منظمة هيومن رايتس ووتش: “يبدو أن الحوثيين يكرّسون موارد أكبر لاعتقال الأشخاص بسبب منشورات غير مؤذية على وسائل التواصل الاجتماعي، أكثر مما يفعلون لضمان حصول السكان في مناطق سيطرتهم على الغذاء والماء.”
وأضافت: “يجب على السلطات أن تحمي حقوق الناس، لا أن تُخرس كل من يحيي ذكرى عيد وطني.”
وأكدت المنظمة أن على الحوثيين الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين لمجرد ممارستهم حقهم في حرية التجمع والتعبير، وكذلك عن جميع المحتجزين تعسفاً، بمن فيهم العشرات من موظفي الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني الذين تم اعتقالهم وإخفاؤهم قسراً خلال العام ونصف العام الماضيين.
وابتداءً من حوالي 21 سبتمبر/أيلول، شرع الحوثيون في اعتقال عشرات الأشخاص على خلفية إحياء ذكرى العيد الوطني.
وقال الصحفي اليمني فارس الحميري في منشور له على منصة “إكس” (تويتر سابقاً) إن مئات المحتجّين تم اعتقالهم في صنعاء وعمران وحجة وذمار والبيضاء وإب وتعز.
وأوضحت منظمة هيومن رايتس ووتش أنها تحدثت إلى خمسة أشخاص من ذوي المعتقلين، بينما أعرب كثيرون آخرون عن خشيتهم من الانتقام من قبل الحوثيين في حال تحدثوا إلى المنظمة بشأن الاعتقالات.
ومن بين المعتقلين عشرات الناشطين، من بينهم: أورَاس الإرياني، الكاتب والساخر السياسي. عبد المجيد صبرة، محامٍ معروف. عارف محمد قطران وعبد السلام قطران، وهما شقيق وابن شقيق القاضي عبد الوهاب قطران على التوالي.
وأشارت المنظمة إلى أن العديد من المعتقلين لم يتمكنوا من التواصل مع أسرهم أو مع محامين، فيما ترفض السلطات الحوثية إبلاغ عائلاتهم بمكان احتجازهم، وهو ما يُعد اختفاءً قسرياً وفق القانون الدولي.
وقال شقيق أحد المعتقلين إن أخاه غادر المنزل مساء 22 سبتمبر/أيلول “لإلقاء القمامة وشراء بعض الحاجيات” لكنه لم يعد. وبعد ساعتين من البحث عنه، تواصل بعض أفراد الأسرة مع السلطات الأمنية الحوثية، غير أن الأخيرة رفضت تقديم أي معلومات بشأن قضيته.
وقال شقيق المعتقل إن الأسرة تمكنت من تأكيد احتجازه “من خلال مصادر متعددة” لدى جهاز الأمن والمخابرات التابع للحوثيين، إلا أن الأسرة “لم تُبلَّغ رسمياً بمكان احتجازه، ولم يُسمح لها بزيارته أو التواصل معه رغم الوعود المتكررة بذلك”.
وأضاف أن شقيقه يعاني من مرض السكري، ما يزيد من قلق العائلة على حالته الصحية وسلامته.
وفي سياقٍ متصل، قال المحامي البارز عبد المجيد صبرة لمنظمة هيومن رايتس ووتش عام 2024 إنه بعد أن نشر على وسائل التواصل الاجتماعي أنه سيقدّم مساعدة قانونية للمحامين المعتقلين بسبب مشاركتهم في فعاليات ذكرى ثورة 26 سبتمبر، قام عناصر من جماعة الحوثي بـ”تهديده مباشرة”.
وفي 25 سبتمبر/أيلول 2025، اقتحمت قوات الأمن الحوثية مكتبه واعتقلته.
ووفقاً لأحد الشهود، فقد تم توقيف صبرة بسبب منشور على مواقع التواصل الاجتماعي كتب فيه:
“أنتم [الحوثيون] تحرمون اليمنيين من حقهم في التعبير عن فرحتهم بثورة السادس والعشرين من سبتمبر – الثورة التي أعادت لهم كرامتهم وعرّفتهم مجدداً بدينهم الحقيقي بعيداً عن خرافات الإمامة – لمجرد نشر صورة على وسائل التواصل الاجتماعي، لتصفوها بالخيانة والتبعية لقوى خارجية.”
وبحسب منشور على منصة “إكس” (تويتر سابقاً) للناشطة الحقوقية البارزة إشراق المقطري، التي تتابع قضيته عن كثب، فإن أسرة صبرة لا تعرف شيئاً عن مكان وجوده حتى الآن.
وقال القاضي عبد الوهاب قطران، وهو قاضٍ بارز في صنعاء سبق أن اعتقله الحوثيون في وقتٍ سابق، إن الجماعة اعتقلت شقيقه عارف وابن شقيقه عبد السلام في 21 سبتمبر/أيلول دون توجيه أي تهمٍ إليهما.
وأوضح القاضي أن ثلاث آليات عسكرية وسيارة أجرة وصلت إلى منزل شقيقه في مديرية همدان، وأبلغت عارف وعبد السلام بأن عليهما تسليم نفسيهما للسلطات، وإلا فإنهم “سيقتحمون المنزل وينزعون أبوابه”، مما اضطرهما إلى تسليم نفسيهما طوعاً.
وأضاف القاضي أن شقيقه وابن شقيقه احتُجزا في البداية في مجمّع أمن همدان، ثم نُقلا في 22 سبتمبر/أيلول إلى مكانٍ غير معروف.
وأشار إلى أنه تواصل معهما عبر هاتف أحد السجناء، وأن آخر اتصال بين الأسرة وعارف كان في 22 سبتمبر، حيث قال إنه مريض ويخشى على حياته.
وبيّن القاضي أن السلطات لم تقدم أي وثائق قانونية تبرر الاعتقال، كما أنه لا يعلم ما إذا كانت قد وُجّهت إليهما أي تهم، لكنه يعتقد أن سبب الاعتقال هو نيّتهما إحياء ذكرى ثورة 26 سبتمبر.
وفي وقت لاحق، اعتقل الحوثيون أربعة أشخاص آخرين من قرية القاضي قطران للسبب نفسه، أي إحياء المناسبة الوطنية.
إن اعتقال أي شخص دون مذكرة توقيف ودون توجيه تهم واضحة يُعد انتهاكاً صريحاً للمادة (132) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني، كما أن احتجاز الأفراد دون سند قانوني محلي أو دولي، أو دون توجيه تهمٍ إليهم على وجه السرعة، يُعد خرقاً واضحاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وفي تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة بشأن اليمن لعام 2023، أشار الفريق إلى أنه وثّق العديد من حالات الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب في اليمن، مضيفاً أن “معظم الانتهاكات التي حقق فيها الفريق نُسبت إلى جماعة الحوثي”.
وفي عام 2024، وجدت منظمة هيومن رايتس ووتش أن عشرات الأشخاص اعتُقلوا على خلفية فعاليات العيد الوطني دون توجيه أي تهمٍ إليهم.
أما في عام 2023، فقد نشر المحامي عبد المجيد صبرة أن الحوثيين اعتقلوا نحو ألف شخص بمناسبة الذكرى نفسها.
ووثّقت منظمة “سام” للحقوق والحريات، وهي منظمة يمنية معنية بحقوق الإنسان، أن الحوثيين استخدموا القوة المفرطة ضد من احتفلوا أو تظاهروا سلمياً في ذكرى ثورة 26 سبتمبر، معتبرة أن تلك الأفعال ترقى إلى جرائم تستوجب المساءلة.
كما أن سلطات الحوثيين اعتقلت وأخفت قسرياً عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في منظمات المجتمع المدني منذ 31 مايو/أيار 2024، بحسب ما أكدت هيومن رايتس ووتش، مشيرة إلى أنه في 31 أغسطس/آب الأخير، اعتقل الحوثيون 19 موظفاً إضافياً تابعين للأمم المتحدة.
وقالت نيكو جعفرنيا، الباحثة في شؤون اليمن والبحرين في منظمة هيومن رايتس ووتش: “على الحوثيين أن يتوقفوا عن اعتقال الناس لمجرد ممارستهم حقوقهم والتعبير عن آرائهم ومعتقداتهم التي لا تتماشى مع أيديولوجية الجماعة، وأن يبادروا فوراً إلى الإفراج عن جميع المعتقلين تعسفياً.