باشر رئيس الوزراء الجديد، سالم بن بن بريك، مهامه رسمياً من العاصمة المؤقتة عدن، بعد عودته من الرياض رفقة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، وسط ظروف استثنائية وأوضاع اقتصادية بالغة الصعوبة، يواكبها تدهور الخدمات وتراجع الموارد العامة، وتعاظم التداعيات المترتبة على الحرب المستمرة منذ نحو عقد من الزمن.
ومع تطلع اليمنيين في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية إلى حدوث انفراجة على مستوى تحسين الخدمات لا سيما الكهرباء، يأملون أن يتمكن بن بريك من كبح تهاوي العملة بعد أن بلغ الدولار الواحد أكثر من 2500 ريال يمني، في مستوى هبوط غير مسبوق تاريخياً.
وفي أول اجتماع للحكومة بحضور العليمي، استعرض بن بريك رؤيته وخطة عمله، وقال إن توجيهات رئيس مجلس القيادة ستكون بمثابة خريطة طريق عاجلة تركز على «احتواء التدهور الاقتصادي والخدمي، وتخفيف المعاناة الإنسانية، وترسيخ المركز القانوني للدولة».
وعدّد بن بريك جملة من الأولويات في مقدمها إصلاح السياسات المالية والنقدية، وتفعيل أجهزة الرقابة والمحاسبة، ومكافحة الفساد.
وقال «إن إعادة تشكيل اللجنة العليا لمكافحة الفساد وتشكيل اللجنة العليا للمناقصات والهيئة العليا للرقابة على المناقصات وعودة مجلسي النواب والشورى للعمل من عدن أصبحت حتمية وضرورية لإسناد عمل الهيئات الرقابية الأخرى».
وأكد أن حكومته ستسعى لتمكين البنك المركزي من أداء مهامه، والسيطرة على الإيرادات العامة، وإلزام المحافظات المحررة كافة بتوريد الإيرادات إلى البنك المركزي، مشيراً إلى أن النجاح في تحقيق هذه الأهداف يتطلب تكاملاً وطنياً شاملاً، وتعاوناً بين الحكومة والسلطات المحلية والمكونات السياسية.
شراكة واسعة
دعا بن بريك في خطابه الأحزاب والمكونات السياسية اليمنية، والإعلاميين، والناشطين، إلى تبني خطاب وطني موحد، وممارسة النقد البنَّاء، ودعم جهود الحكومة في مواجهة المشروع الحوثي، مشدداً على أن «المرحلة لا تحتمل المكايدات ولا الحسابات الضيقة».
كما وجّه رسالة إلى مواطنيه لا سيما المرأة والشباب، مؤكداً التزام الحكومة بدعم قضاياهم، وتمكينهم، وتحقيق تطلعاتهم، في إطار مؤسسي واضح.
وأشاد رئيس الوزراء اليمني بالدعم السعودي والإماراتي ورفد الحكومة بالاحتياجات الضرورية، ودعم مشاريع الخدمات والإغاثة، مؤكداً أن «دعم الحكومة اليمنية هو استثمار في السلم الإقليمي والدولي».
واختتم بن بريك كلمته بتأكيد أن الحكومة الجديدة ستسعى إلى بناء يمن آمن ومستقر، يستعيد دولته، ويؤسس لسلام حقيقي قائم على المرجعيات الثلاث، وفي مقدمها قرار مجلس الأمن 2216.
موجهات رئاسية
كان رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي قد ألقى كلمة في مستهل جلسة مجلس الوزراء، ضمَّنها أبرز الموجهات الرئاسية لعمل الحكومة، مع تأكيده أن المرحلة الجديدة هي «لحظة مواجهة صريحة مع النفس والمسؤوليات».
وشدد العليمي على أن الحكومة بقيادة بن بريك مطالبة بالتحرك العاجل والجاد لمواجهة الأزمات الاقتصادية والمعيشية والخدمية التي يواجهها اليمنيون في المحافظات المحررة.
وركز العليمي في توجيهاته للحكومة على ضرورة تبني خطة شاملة للتعافي الاقتصادي، تقوم على تقليص الاعتماد على الخارج، وتعزيز الموارد الذاتية للدولة، في مقدمتها الموارد غير النفطية، وتفعيل أدوات البنك المركزي اليمني لكبح التضخم وحماية سعر صرف العملة الوطنية (الريال اليمني).
وأكد رئيس مجلس الحكم اليمني أن تحسن الوضع الاقتصادي لن يتحقق إلا من خلال موازنة عامة واقعية، وسياسات تقشفية رشيدة، وترشيد الإنفاق العام، وتحسين تحصيل الإيرادات في المحافظات كافة، داعياً إلى تمكين القطاع الخاص من قيادة مشاريع التنمية وتخفيف العبء عن الدولة في خلق فرص العمل.
تفكير خارج الصندوق
ضمن توجيهات العليمي للحكومة برئيسها الجديد بن بريك، دعا إلى التفكير «خارج الصندوق»، وبناء نموذج ناجح في المحافظات المحررة، يُقدم اليمن شريكاً موثوقاً يعتمد على نفسه ويعزز الاستقرار.
وحض العليمي الحكومة على ترسيخ استقرار العمل من الداخل، معتبراً وجود الوزراء في الميدان عنواناً للجدية والرقابة والمساءلة، وتعزيزاً للثقة مع المانحين.
كما شدد على أهمية استقلالية البنك المركزي اليمني وتمكينه من ممارسة أدوات السياسة النقدية، ووجه بتفعيل الرقابة والمساءلة، وتسريع إعلان تشكيل اللجنة العليا للمناقصات، ومكافحة الفساد، وتنظيم العلاقة بين المركز والسلطات المحلية.
جاءت توجيهات العليمي للحكومة في ظل ما وصفها بـ«تحديات غير مسبوقة»، تفاقمت منذ استهداف الحوثيين للمنشآت النفطية في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، وهو ما تسبب في حرمان الحكومة الشرعية من نحو ملياري دولار من العائدات السيادية.
وأشار العليمي إلى أن هذا الاستنزاف الاقتصادي ترافق مع محاولات حوثية ممنهجة لإغراق البلاد في أزمة إنسانية شاملة، لولا صمود مؤسسات الدولة ودعم السعودية والإمارات، عبر تمويل الموازنة العامة وتنفيذ مشاريع خدمية وإنسانية عاجلة.