ما زال الغموض يكتنف مصير أول مؤتمر للاستثمار في اليمن المقرر عقده في عدن المتخذة عاصمة مؤقتة من قبل الحكومة اليمنية نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، مع تزايد حدّة الأزمات الاقتصادية والمالية والمصرفية، والخلافات السياسية، وبروز العديد من التحديات والعراقيل التي تهدد بتعثر برنامج الإصلاحات الذي تنفذه الحكومة منذ أغسطس/آب الماضي 2025.
إذ يأتي ذلك في الوقت الذي تمر فيه الحكومة بأسوأ أزمة مالية تهددها بالانهيار وأجبرت رئيسها على الوجود طوال الشهرين الماضيين في العاصمة السعودية الرياض، حيث تصطدم بالعديد من القوى النافذة التي تنازعها الموارد والصلاحيات وتحاول عرقلة جهودها في تنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية والمالية والمصرفية والذي يهدف إلى تهيئة بيئة جاذبة للاستثمار ورؤوس الأموال.
في السياق، أكد الخبير الاقتصادي محمد جمال الشعيبي، أستاذ الاقتصاد المالي بجامعة عدن، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المؤتمر من المقرر عقده نهاية نوفمبر حيث سيسبق انعقاده العديد من البرامج وورش العمل، وتنظيم أول ورشة للقطاع الخاص بالتنسيق بين غرفة عدن التجارية والصناعية واللجنة الفنية للمؤتمر وبين السلطة المحلية في عدن.
ويوضح الشعيبي أن المؤتمر يمثل حدثا مهما يهدف إلى الخروج بنتائج مرضية تنعكس على التنمية والنمو الاقتصادي في العاصمة عدن وباقي المحافظات، مضيفاً أن المؤتمر سيركز على إيصال عدة رسائل لطمأنة رؤوس الأموال والجهات المانحة بأن عدن أصبحت تمثل ملاذا آمنا وبيئة مستقرة قادرة على استقبال رؤوس الأموال والاستثمارات المختلفة.
وكثف القطاع الخاص طوال الفترة الماضية من مطالبته للحكومة بعدم تجاهله في عملية تنفيذ برنامج الإصلاحات، والتنسيق معه في تنفيذ مؤتمر الاستثمار والذي كان يجب أن يسبقه تدشين إجراءات وخطوات عملية لتهيئة بيئة أمنة للمستثمرين، ومعالجة تبعات الصراع والأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي تسببت في زيادة فزع رؤوس الأموال الوطنية وقلقها حيث تستمر هجرتها ونزوحها إلى الخارج بصورة مؤثرة تزيد من تدهور الاقتصاد والعملة المحلية والأوضاع المعيشية لليمنيين، مع تفاقم الأزمة الإنسانية وارتفاع مستويات البطالة والفقر.
يقول رئيس غرفة عدن التجارية والصناعية، نائب رئيس الاتحاد العام اليمني للغرف التجارية والصناعية أبوبكر باعبيد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن بيئة الاستثمار صعبة وغير مستقرة في اليمن، ويجب العمل حثيثا لتحسينها، مشيراً إلى أن هناك الكثير من الخدمات التي يجب تحسينها وتوفيرها، مع التركيز على تطوير قدرات الموانئ والمطارات والمنطقة الحرة، عدا عن ضرورة تحسين أداء الهيئة العامة للاستثمار في خطوة أساسية مهمة في هذا السياق.
وتعتبر أزمة الكهرباء من أكثر المشاكل التي تؤرق سكان عدن وعديد المدن اليمنية، عدا عن كونها أحد أهم أسباب هروب المستثمرين ورؤوس الأموال، وتدهور أنشطة الأعمال الاقتصادية. يضيف باعبيد: كان القطاع الخاص يأمل قبل انعقاد مؤتمر الاستثمار العمل على تهيئة بيئة استثمارية مناسبة قبل الوصول لتاريخ عقد هذا المؤتمر، والتركيز على بعض الأولويات في هذا الجانب مثل إصلاح منظومة الكهرباء، والاتصالات والإنترنت، وتحسين جوانب أخرى في البنية التحتية مثل الطرقات، حيث تتوفر مزايا وفرص استثمارية واعدة ومغرية مثل الموانئ وغيرها من الفرص الجاذبة.
إضافة إلى القوانين المنظمة للأعمال والخدمات والتي تمثل هاجسا مقلقا للقطاع الخاص والمستثمرين، فالمسألة كما يقول رئيس غرفة عدن التجارية والصناعية؛ ليست بحجم رؤوس الأموال التي هاجرت وغادرت، بل ما الذي تم عمله لجذبها وتهيئة البيئة المناسبة لها، إذ تقتضي الضرورة أن تعمل الجهات المسؤولة على كسب ثقة المستثمرين، وقد حان الوقت لذلك.
ويؤكد خبراء اقتصاد هروب عشرات مليارات الدولارات من رؤوس الأموال الوطنية إلى خارج اليمن حيث فشلت السلطات المعنية في البلاد في طمأنتها والمحافظة عليها وتوفير بيئة آمنة لها. كما ساهمت عوامل أخرى في قلق رؤوس الأموال الوطنية التي كانت تحاول الصمود والاستمرار بحسب الإمكانات المتاحة والتكيف مع الظروف الراهنة في اليمن، إذ تتمثل بعض هذه العوامل في الصراع الاقتصادي والمصرفي، مع توسع الشرخ المتعلق بالتداول النقدي والانهيار الحاصل للعملة وفقدان الثقة بها وبالاقتصاد الوطني.
بالمقابل، اختتم فريق الإصلاحات الاقتصادية، وهو مبادرة طوعية تضم قيادات من القطاع الخاص وخبراء اقتصاديين، اجتماعه الطارئ الذي وصفه بالاستثنائي، بالإعلان عن تقديم عدد من المقترحات والأفكار والرؤى لدعم الإصلاحات الاقتصادية وتتعلق بالإيرادات وتحسين بيئة الأعمال والاستثمار وتعزيز الشراكة بين القطاع الخاص والحكومة، وبما يسهم في تحسين البيئة الاستثمارية وتعزيز الحوكمة الاقتصادية والشفافية.
وأكد فريق الإصلاحات في بيان صدر في ختام اجتماعه الذي عقده في مدينة سيئون بمحافظة حضرموت، أنه يدعم تنفيذ حزمة الإصلاحات الاقتصادية الحكومية بما يشمل توحيد الإيرادات العامة وإلغاء الجبايات غير القانونية وتعزيز الشفافية المالية. وقال رئيس الفريق أحمد بازرعة في تصريح صحافي إن القطاع الخاص يدعم "التطبيق الصارم لقرارات توحيد الإيرادات وضبط المنافذ وإلغاء الرسوم غير القانونية التي أثقلت كاهل المواطنين وأثرت على بيئة الاستثمار".
وأشار فريق الإصلاحات إلى أن اجتماعه ناقش التحديات الاقتصادية الراهنة وسبل تحسين الإيرادات وحوكمة المؤسسات وتعزيز الشراكة بين القطاع الخاص والحكومة، مؤكداً أن أي إصلاحات يجب أن تضع المواطن في مركز الأولويات وتخفف الأعباء المعيشية عنه. ودعا الفريق إلى إغلاق منافذ التهريب، وتحسين أنظمة تحصيل الإيرادات إلكترونياً، وانتظام صرف رواتب موظفي الدولة، باعتبارها خطوات أساسية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.





