بشير البكر

عن اغتيال ثلث الحكومة الحوثية

بشير البكر
السبت ، ٠٦ سبتمبر ٢٠٢٥ الساعة ١٠:١٦ صباحاً

يشكل اغتيال إسرائيل رئيس حكومة الحوثيين في صنعاء أحمد غالب الرهوي، وثلث وزرائه، عملية عسكرية نوعية. لقد فتحت الباب أمام مرحلة تصفيات جسدية، تهدّد باستهداف كبار مسؤولي الجماعة، وفي مقدمتهم قائدها عبد الملك الحوثي.

وقال وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس: "هذه هي البداية فحسب". لا أحد يستطيع أن يخمّن توقيت المراحل اللاحقة، إلا أن المؤشّرات توحي بأن اليمن، ومنطقة البحر الأحمر وباب المندب قادمة، قريباً، على تطوّر كبير، من شأنه أن يغيّر الخريطة السياسية.

تمثل عملية الاغتيال، قبل كل شيء، تحوّلا مهمّا في قواعد الاشتباك بالمنطقة، وكشفت عن مدى هشاشة البنية الأمنية لجماعة الحوثي، التي اعتبرت نفسها عصيةً على الاختراق، الأمر الذي اعترف به قائد الجماعة. وذكرت تقارير إعلامية أنها جاءت بعد عدة أسابيع من حرب "سيبرانية"، قامت بها إسرائيل ضد الحوثيين، أثرت على منظومة الاتصالات في اليمن بشكل واسع، ومهّدت الطريق، على نحو ما حدث بـ"عملية البيجر 2"، التي جرت فيها تصفية قادة لحزب الله قبل حوالي عام في الضاحية الجنوبية لبيروت.

يُرجّح أن يتلو هذا التطور رفع وتيرة المواجهة المباشرة بين إسرائيل والحوثيين في البحر الأحمر، وباب المندب، وأن التصعيد لن يقف هذه المرّة عند العتبة التي وصل إليها، بل سيتجاوزها، كي تدخل ميدان الصراع الأطراف اليمنية الأخرى، الحليفة للسعودية والإمارات، والمتمثلة بالحكومة الشرعية، والمجلس الانتقالي الجنوبي، والقوات التي يقودها طارق علي عبد الله صالح، ابن شقيق الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح، الذي تحالف فترة مع الحوثيين، واختلف معهم، وتم قتله بصنعاء في مواجهه معهم. وهدف هذه الأطراف استعادة صنعاء من قبضة الحوثيين، في حال تلقّت دعماً جوياً وسياسياً من واشنطن، ما قد يفتح الباب أمام إنهاء الحالة الحوثية، وطي صفحة المشروع الإيراني في اليمن.

معنى اختيار محمد أحمد مفتاح رئيسا جديدا للحكومة الحوثية يعني أن الجماعة ماضية في نهج المواجهة مع إسرائيل، دعماً لأهل غزّة، ولا سبيل أمامها سوى مواصلة الأعمال الحربية، وهذا ما هدّد به قائد الجماعة في خطاب تلفزي غداة الإعلان عن اغتيال رئس حكومته وعدد من وزرائه، وقد توعّد بتكثيف الهجمات على إسرائيل، وبمزيد منها بالصواريخ والمسيّرات في "مسار مستمر ثابت تصاعدي".

يلتزم الحوثيون، منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزّة، بتهديداتهم. يطلقون صواريخ بالستية، وطائرات مسيّرة، باتجاه الدولة العبرية بانتظام، يتمّ اعتراض بعضها، وألحق البعض الآخر أضراراً مهمّة، كما يشنّون هجمات في البحر الأحمر على سفن تجارية، يقولون إنها مرتبطة بإسرائيل، وقد أوقع ذلك خسائر كبيرة بالاقتصاد الإسرائيلي. ويقوم خطاب الجماعة على أن هجماتهم تصبّ في إطار إسنادهم الفلسطينيين في غزّة، ولم تفلح في وقف هجماتهم عدّة عمليات عسكرية كبيرة قامت بها ضدهم الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل، ولا يزالون يربطون وقف أعمالهم العسكرية بحرب الإبادة على غزّة. وهم الطرف الوحيد الداعم غزّة عسكرياً في الوقت الحالي.

لكن المعركة، في الأحوال كافة، أخذت تزداد تعقيدا، بسبب ضرب البنية التحتية، التي شملت تدمير مطار صنعاء، وميناء الحديدة، ومحطات الكهرباء والوقود، وأصبح من الأسهل اليوم على واشنطن محاصرة صنعاء عسكريا واقتصاديا، ومنع وصول الإمدادات الإيرانية، التي كانت تتلقّاها من أسلحة ونفط ومواد غذائية، وباتت الخسائر التي أصابت اقتصاد المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون كبيرة جدا، بالإضافة إلى المدنيين والعسكريين، واللافت أن حدث اغتيال رئيس الحكومة الحوثية وزملائه الوزراء، لم يحظ بأي ردات فعل عربية أو دولية، كما أن الشارع اليمني منقسمٌ، كليا، بين مؤيدي الحوثيين وخصومهم من الأطراف الأخرى.

*العربي الجديد