الرئيسية > اخبار وتقارير > مستقبل التسليح الإيراني للحوثيين عقب مصادرة أكبر الشحنات المهربة

مستقبل التسليح الإيراني للحوثيين عقب مصادرة أكبر الشحنات المهربة

باتت عبارة "محلي الصنع" الواردة في بيانات المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع تثير الجدل حول حقيقة صنع الحوثيين السلاح النوعي الذي تستخدمه الجماعة، في ظل اتهامات لإيران بمواصلة تسليح الجماعة، إلا أن الطرفين ينكران ذلك، غير أن واقع الأمر يقول غير ما يعلنه الحوثيون والإيرانيون، فالأسلحة التي يتم ضبطها في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وهي في طريقها إلى الحوثيين تكشف حقيقة تسليح الجماعة.

وفي جديد هذا التسليح، ما كشفه عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، العميد طارق صالح، يوم الأربعاء الماضي، عن أن قواته في الساحل الغربي ضبطت 750 طناً من الأسلحة الإيرانية كانت في طريقها إلى الحوثيين. وقال صالح، على منصة إكس: "سيطرنا على 750 طناً من الأسلحة تتوزع بين منظومات صاروخية بحرية وجوية، ومنظومة دفاع جوي، ورادارات حديثة، وطائرات مسيّرة، وأجهزة تنصت". وأضاف أنه جرى أيضاً ضبط صواريخ مضادة للدروع، ومدفعية بي 10، وعدسات تتبُّع، وقناصات وذخائر، ومعدات حربية، لافتاً إلى أن "بحرية المقاومة الوطنية سيطرت على شحنة الأسلحة بعد رصد ومتابعة من شعبة الاستخبارات في المقاومة".

وأكدت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم)، في بيان نشر على منصة إكس، أن "المقاومة الوطنية" قامت بـ"أكبر عملية ضبط لأسلحة إيرانية تقليدية متطورة في تاريخها"، وصادرت "أكثر من 750 طناً من الذخائر والمعدات، بما في ذلك مئات الصواريخ المتقدمة من نوع كروز، وصواريخ مضادة للسفن، وصواريخ مضادة للطائرات، ورؤوس حربية، وأنظمة التوجيه، ومكونات مختلفة، بالإضافة إلى مئات محركات الطائرات المُسيّرة، ومعدات الدفاع الجوي، وأنظمة رادار، ومعدات الاتصالات". وأضافت: "وفقاً لما أفادت به قوات المقاومة الوطنية، فقد وُجدت كتيبات باللغة الفارسية، كما أن العديد من الأنظمة كانت مصنّعة من قبل شركة تابعة لوزارة الدفاع الإيرانية الخاضعة لعقوبات أميركية. وكانت هذه الشحنة غير القانونية موجهة لاستخدام الحوثيين المدعومين من إيران". وقال قائد "سنتكوم" الجنرال مايكل إريك كوريلا إن "إحباط هذه الشحنة الإيرانية الضخمة يُظهر أن إيران لا تزال الجهة الأكثر زعزعة للاستقرار في المنطقة. إن الحد من التدفق الحر للدعم الإيراني للحوثيين أمر بالغ الأهمية لأمن واستقرار المنطقة ولحرية الملاحة".

وأفادت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية في تقرير لها، أمس الجمعة، بأن "طهران تبذل جهوداً جديدة لتسليح حلفائها من المليشيات في جميع أنحاء الشرق الأوسط". وتحدثت عن شحنة الأسلحة المصادرة هذه، لافتة إلى أن الشحنات كانت مخبأة على متن سفينة تُسمى "داو"، تحت شحنات مُعلنة من مكيفات الهواء. وشملت صواريخ "قادر" الإيرانية المضادة للسفن، ومكونات لنظام "صقر" للدفاع الجوي الذي استخدمه الحوثيون لإسقاط طائرات أميركية مسيرة من طراز "إم كيو 9 ريبر".

مسار تهريب الأسلحة 

وكشفت منصة "يوب يوب" اليمنية لتدقيق المعلومات عن مسار السفينة التي كانت محمّلة بالأسلحة ومتجهة إلى الحوثيين، وأفادت المنصة بأن نتائج البحث في أدوات تتبّع السفن أظهرت أنّ السفينة المصادرة "مسجّلة فعلياً في سلطنة عُمان... ويتم تصنيفها باعتبارها سفينة صيد نتيجة استخدامها السابق خلال عام 2024 في سلطنة عُمان". وأشارت المنصة إلى أنه في 23 إبريل/ نيسان 2025 رست هذه السفينة في ميناء بندر عباس الإيراني لمدة 20 ساعة، ثم تحرّكت من الميناء الإيراني. وأكدت "يوب يوب" أنه تم إغلاق إشارة السفينة تماماً يوم 24 إبريل الماضي في المياه العُمانية، لتظهر مجددا في 19 - 20 مايو/ أيار الماضي، حيث كانت راسية في ميناء جيبوتي. ووفق المنصة، أظهرت وثيقتا شحن وتصريح إبحار صادرة من ميناء جيبوتي، بتاريخ 25 يونيو/ حزيران الماضي، أن السفينة باتت مسجلة تحت علم اليمن، وتحمل شحنة "مواد متنوعة وحاويات" متجهة إلى ميناء الصليف. ورجّحت منصة "يوب يوب" أن دخول السفينة إلى جيبوتي كان بهدف الحصول على وثيقة "مانيفيست" مزوّرة تُخفي حقيقة ما تحمله السفينة، مؤكدةً أنه تم تمويهها بمواد أخرى من جيبوتي.

 

العملية الأمنية الأخيرة وصفها المتحدث باسم "المقاومة الوطنية" العميد صادق دويد بأنها "إنجاز أمني وعسكري يفضح زيف كذبة التصنيع الحربي الحوثي، ويؤكد أن إيران لا تزال تغذّي الحرب والإرهاب في اليمن والمنطقة". وعلى الرغم من أهمية العملية الأمنية، وحجم الأسلحة المضبوطة فيها، ونوعيتها، فهي ليست الأولى، إذ منذ مطلع العام الحالي ضُبط عدد من شحنات الأسلحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، كانت في طريقها إلى الحوثيين. وكانت القوات البحرية التابعة لـ"المقاومة الوطنية" قد ضبطت في 11 يوليو/ تموز الحالي، في البحر الأحمر، شحنة أسلحة تتضمن كميات من القذائف المضادة للدروع وقذائف "آر بي جي"، وقنّاصتين، بالإضافة إلى "شراشير" معدّلات بكميات كبيرة معبّأة في شِوالات، كانت في طريقها إلى الحوثيين.

وفي العاشر من مايو/ أيار الماضي تم ضبط شحنة كبيرة من المعدات الحربية، حيث تضمنت الشحنة نحو ثلاثة ملايين صاعق، وأسلاكاً بطول إجمالي قدره 3600 كيلومتر، إلى جانب 64 جهاز اتصال فضائي، كانت في طريقها إلى ميناء رأس عيسى التابع لمحافظة الحديدة والواقع تحت سيطرة الحوثيين. وفي الرابع من مايو الماضي، اعترضت القوات المشتركة قارباً يحمل ذخائر وصواريخ من نوع "لو" على بُعد 12 ميلاً من ساحل رأس العارة بمحافظة لحج، جنوب غربي اليمن. وفي الثالث من مايو الماضي تم ضبط قارب مماثل على متنه صواريخ "لو" وذخائر "بي إم بي" وقنابل هجومية في الموقع ذاته.

قبلها، وفي 28 إبريل/ نيسان الماضي، ضبطت القوات المشتركة شحنة ذخائر كانت في طريقها إلى الحوثيين عند إحدى النقاط الأمنية في مديرية المضاربة ورأس العارة بمحافظة لحج. وفي 13 فبراير/ شباط الماضي، تم الإعلان من قبل "المقاومة الوطنية" عن ضبط شحنة أسلحة نوعية، شملت صواريخ مجنّحة ومحركات نفّاثة تستخدم في الطائرات المسيّرة الانتحارية، قادمة من إيران كانت في طريقها إلى الحوثيين. وفي 11 يناير/ كانون الثاني الماضي تم ضبط قارب يحمل كميات كبيرة من الصواعق والمتفجرات قرب مضيق باب المندب. وفي العاشر من يناير الماضي تم إحباط محاولة تهريب شحنة أسلحة تضم ذخائر وقذائف متنوّعة على متن زورق في سواحل رأس العارة بمحافظة لحج. شحنة الأسلحة الإيرانية الأخيرة التي تم الاستيلاء عليها أعادت التذكير بالسفينة الإيرانية "جيهان" التي تمت مصادرتها في 23 يناير 2013 وهي محملة بالأسلحة عندما كانت في طريقها إلى ميناء ميدي بمحافظة حجة، شمال غربي اليمن، والذي يسيطر عليه الحوثيون آنذاك، حيث كانت السفينة محملة بـ48 طناً من الأسلحة والقذائف والمتفجرات، بينها صواريخ "سام 2" و"سام 3" المضادة للطائرات.

تعاون مع الأميركيين

وعن ضبط السفينة الأخيرة، قال المتحدث باسم القوات المشتركة اليمنية، العميد وضاح الدبيش، لـ"العربي الجديد"، إن "المقاومة الوطنية عبر استخباراتها وقواتها البحرية وخفر السواحل تمكّنت من السيطرة على شحنة الأسلحة بعد عملية معقّدة، تضمنت عملية رصد دقيقة وكبيرة، وتنسيقاً وتعاوناً تضمن تحليل البيانات والمعلومات من مصادر بشرية وعبر أجهزة حديثة تم تقديمها عبر استشاريين وخبراء تلقوا تدريبات عالية ومحترفة جداً في هذا الجانب". وأكد الدبيش أن "شحنة الأسلحة قدمت من إيران في طريقها إلى الحوثيين، واستمرت في بحر إيران تنتقل بعدة إحداثيات وعدة نقاط، عبر شبكة مهربين كبيرة ومعقّدة، واستمر تهريب الشحنة حوالي الشهرين حتى وصلت إلى جيبوتي، ومن ثم تم نقلها، وقمنا برصدها ومتابعتها من حين خروجها من إيران"، لافتاً إلى أن "عملية التعقب استمرت فترة طويلة جداً في البحر الأحمر إلى أن تم اعتراضها قرب المياه الإقليمية اليمنية، وكانت الشحنة مخفية بحرفية عالية داخل قوارب صيد تمويهية".

 

وأوضح الدبيش أن العملية الأخيرة "تعد من العمليات النوعية، إذ لم نشهد تهريب مثل هذه الكميات من الأسلحة التي تصل قيمتها، حسب تقديرات الخبراء، إلى أكثر من نصف مليار دولار، وهي أسلحة تهدد بشكل مباشر أمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر، ولو وصلت هذه الأسلحة للحوثيين لكانوا قد هددوا الداخل والخارج، ونفذوا عمليات نوعية موسعة". ولفت إلى أنه "تم ضبط العديد من شحنات السلاح التي يتم تهريبها عبر مسارات بحرية معقّدة وممرات خاصة يعرفها المهربون المحترفون، تبدأ من السواحل الإيرانية مروراً بالخليج وسلطنة عمان، ويتم تمويهها ونقلها إلى سواحل القرن الأفريقي، ومن ثم باتجاه السواحل اليمنية عبر قوارب ونقاط مختلفة، ويتم نقلها من مكان إلى مكان آخر بقوارب كبيرة وصغيرة، وهي قوارب مدنية تستخدم للتمويه كقوارب صيد ومراكب مدنية".

وأشار الدبيش إلى أن "هذه الشحنة الضخمة تؤكد استمرار الدعم الإيراني للحوثيين، وزيادة تسليحهم رغم الحظر الدولي، واستمرار هذا الدعم ناتج عن الضغط الذي تواجهه إيران والتي تأثرت كثيراً في الحرب الأخيرة، ما اضطرها لتوسيع نشاطها والقيام بعمليات جديدة عبر الذراع المتبقي لها في المنطقة ممثلاً بالحوثيين". وشدد الدبيش على أن "التصعيد الحوثي في البحر الأحمر شكل تهديداً لجميع الأطراف التي أدركت أنها مهددة من الحوثيين وإيران، وهذا التهديد عزز مستوى التعاون الاستخباراتي وتنسيق العمليات بين قواتنا والقوات الدولية والتحالف العربي، ولدينا طاقم استخباراتي بإمكانيات كبيرة، وتعاوننا مع الشركاء يتضمن تبادل المعلومات الاستخباراتية، عبر مصادر موثوقة وباستخدام تقنيات متقدمة، وتنفيذ عمليات مشتركة لتعقب وضبط شحنات التهريب، وهذا التنسيق ساهم في إحباط العديد من محاولات تهريب الأسلحة للحوثيين".

من جهته، لفت الكاتب الصحافي عبد السلام القيسي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "هذه ليست أول مرة تقع فيها شحنات سلاح إيرانية بيد المقاومة الوطنية، فمنذ سبع سنوات والمقاومة الوطنية تضبط شحنات متنوعة من السلاح والمخدرات، وبلا تنسيق أميركي حتى، وما يميز هذه العملية أنها غير مسبوقة، وفارقة، ونوعية السلاح المتطور، وتأتي بلحظة حساسة، كما أن الكمية 750 طناً من الأسلحة المتنوعة". وأشار إلى أن "الهدف ليس تأمين الملاحة الدولية بقدر ما هو حماية اليمنيين من سلاح إيران المنفلت الذي يُقصف به اليمنيون، وفي الوقت نفسه فإن هذا النجاح يحمي ملاحة العالم، والكل شركاء في أمن وملاحة العالم".

وأوضح أن "للعملية الأمنية الأخيرة عدة دلالات، لكن الأهم أن كذبة تصنيع الحوثي السلاح تلاشت، وهذه ثاني ضربة بعد ضبط الشحنة وربما توازيها، والتي تتمثل بانكشاف الحوثي أمام المنطقة والعالم". وقلل القيسي من احتمال التنسيق مع الجانب الأميركي في العملية الأخيرة، لافتاً إلى أنه "قبل بضعة أشهر قبضت بحرية المقاومة الوطنية على صنبوق إيراني (سفينة صغيرة) يحمل أسلحة من إيران للحوثيين، وعليه تسعة إيرانيين وباكستانيين، وعند بث اعترافاتهم تحدث القبطان عن تعرضهم لتفتيش البحرية الأميركية في بحر العرب، ولم ينتبهوا للمواد الخطيرة المتفجرة الموجودة في الصنبوق، ولكنهم هم ذاتهم وقعوا بيد المقاومة الوطنية".

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)