
تتصاعد تهديدات جماعة الحوثيين في اليمن، باستئناف العمليات العسكرية ضد السعودية، وهي التهديدات التي تطلقها أخيراً القيادات السياسية والإعلامية، وكذا القيادات العسكرية للجماعة. وتزايدت حدّة الخطاب الإعلامي للحوثيين التحريضي ضد السعودية عقب اتفاق غزة الذي توقفت بموجبه العمليات العسكرية في قطاع غزة، في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتوقفت معه عمليات إسناد غزة التي أعلن عنها الحوثيون، وهو الاتفاق الذي جاء بعد أشهر قليلة من الاتفاق المبرم بين الجماعة والإدارة الأميركية، على إيقاف عمليات الاستهداف المتبادلة بين الطرفين والذي تمّ التوصل إليه برعاية عُمانية في مايو/ أيار الماضي، لتجد جماعة الحوثيين نفسها بلا حرب، وهي التي توصف دائماً بأنها تعيش على الحروب.
وبشكل شبه يومي، تتحدث قناة المسيرة التابعة للحوثيين عن إصابات في صفوف مواطنين في القرى الحدودية نتيجة الاستهدافات والقصف المدفعي المتواصل من الجانب السعودي، في اتهام مبّطن للسعوديين بخرق الهدنة بين الجانبين.
جماعة الحوثيين تحذّر السعودية
التحريض الحوثي ضد السعودية لم يتوقف عند هذا الحد، بل وصل إلى اتهامها بالتعاون مع العدوان الأميركي والإسرائيلي على اليمن، وصولاً إلى زعم الحوثيين إلقاء القبض على شبكة تجسسية تتبع غرفة عمليات مشتركة بين الاستخبارات الأميركية ونظيرتها السعودية والموساد الإسرائيلي، وأن مقر غرفة العمليات المشتركة يقع في الأراضي السعودية. وأول من أمس الثلاثاء، أشادت وزارة الخارجية التابعة للحوثيين بـ"الإنجاز الذي حققته وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية" المتمثل في إلقاء القبض على الشبكة، وفق بيان لها، مشدّدة "على ضرورة مراجعة النظام السعودي لمواقفه وسياساته العدائية والتعاطي بإيجابية مع الجهود والمساعي إلى السلام وصولاً إلى إنهاء العدوان والحصار الذي طال أمده بدلاً من الاستمرار في إضمار الشرّ للشعب اليمني، الأمر الذي يضر بالأمن والاستقرار في المنطقة".
القيادي العسكري في جماعة الحوثيين، العميد مجيب شمسان، قال لـ"العربي الجديد"، إن ما تقوم به صنعاء هو توضيح للحقائق التي ربما غفل عنها النظام السعودي، وهي أنه منذ أن تمّ الاتفاق على الهدنة (إبريل/نيسان 2022) وما تمّ الترتيب له لاحقاً، لم يقم الجانب السعودي بتنفيذ أي شيء، وكان يتنصل من كل الالتزامات التي تمّ الاتفاق عليها، وفي تلك الفترة تصاعدت خطابات صنعاء بأننا لا يمكن أن نقبل بحالة اللاسلم واللاحرب، وهو الواقع الذي كان يريد أن يفرضه العدو السعودي، وبإسناد أميركي. وجاء طوفان الأقصى (7 أكتوبر 2023) فكانت الأولوية لإسناد للمقاومة الفلسطينية، وخلال عمليات الإسناد كان الجانب السعودي يتحرك على كافة المسارات في محاولة للتأثير على العمليات اليمنية، سواء من خلال محاولات التصدي والاعتراض للصواريخ والطائرات المسيّرة، أو عبر عمليات الإنذار المبكر، ومنح العدو الصهيوني فرصة زمنية للتعامل مع الصواريخ والطائرات اليمنية، أو ما كان يحصل خلال العدوان الأميركي على اليمن في حملة "تحالف حارس الازدهار"، والتي كانت السفن الحربية الأميركية وحاملات الطائرات والقطع الأخرى المرافقة لها تتزود بالوقود وتتلقى دعما لوجستيا وعملية إعادة التذخير في الموانئ السعودية".
وبحسب العميد شمسان، فإن ذلك "تضاف إليه المشاركة في تدريب خلايا تجسسية، فسابقاً تمّ الإعلان عن خلية تعمل لصالح العدو الصهيوني بإشراف بريطاني وسعودي، وتمّ الإعلان عنها مطلع العام الحالي، اليوم كانت هناك أيضاً خلايا متعددة، ولكن بإشراف أميركي مباشر وبإشراف سعودي، لصالح العدو الصهيوني، وهذا أيضاً يعدّ انتهاكاً صارخاً لمبادئ حسن الجوار، ومشاركة بالعدوان على اليمن، وكان من نتائج تلك العمليات الاستخبارية ما حصل من جرائم ارتكبت بحق المدنيين، وبحق القطاع المدني، سواء عبر اغتيال أعضاء الحكومة (العدوان الإسرائيلي على صنعاء في 28 أغسطس/آب الماضي الذي أدّى في مقتل رئيس وزراء الحكومة المعينة من الجماعة أحمد غالب الرهوي مع عدد من الوزراء) أو غير ذلك". وتابع شمسان أنه "من هذا المنطلق، كان ردّ اليمن بأن مثل تلك الممارسات لا يمكن وضعها إلا في خانة العدوان والاشتراك المباشر في الحرب على اليمن، ونقضاً لكل ما تمّ الاتفاق عليه، لتكشف حقيقة النيات السعودية بأنها ليست جادة بالسلام ولا بحلحلة الملف اليمني، والدخول في ترتيبات ما بعد الحرب، والتعويض، وغيرها من الملفات".
وأكد القيادي العسكري في جماعة الحوثيين أن "رسائل صنعاء واضحة على مستويات متعددة، من القيادتين السياسية والعسكرية، وعلى مستوى وسائل الإعلام، لتقول للجانب السعودي بأننا لسنا غافلين عن كل الممارسات والتحركات، سواء ما كان في البحر، وإنشاء ما سمي بمؤتمر الأمن البحري، أو ما يتعلق بالمناورات التي تجريها والتي تتحدث عن دول مشاطئة للبحر الأحمر من بينها باكستان وموريتانيا كما جاء في توصيفاتهم، ولا ندري ما نوع المشاطأة لتلك الدولتين للبحر الأحمر". وهذا يعني، برأيه، أن السعودية "ماضية في العدوان على اليمن، وتدرك بأن الأمور ستصل إلى نقطة المواجهة والصدام، وإذا لم يتوقف العدو السعودي عن مثل هذه الممارسات، ويدخل بالتزامات جادة لتنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه، فإن الأمور لن تكون كما يتوقع، بل على العكس من ذلك، سيكون هناك تصعيد غير مسبوق، فصنعاء لا يمكن أن تقبل ببقاء وضع اللاحرب واللاسلم أو وضعية خفض التصعيد".
وأشار العميد شمسان إلى أن "الاستمرار بمثل هذه العمليات العدوانية، والرصد الاستخباري، ودعم الخلايا والعملاء والجواسيس، يستلزم ردّاً يمنياً، وقد تمضي الأمور في هذا السياق التصعيدي ما لم يتوقف النظام السعودي عن مثل هذه الممارسات، وهنا ينبغي على النظام السعودي أن ينتظر بأن ما سيأتي لن يكون شبيهاً بما حصل سابقاً من عمليات ردع يمنية، بل سيكون الأمر أكثر تأثيراً وأكثر تدميراً لمنشآته ولقدراته ولبنيته التحتية، فاليمن اليوم بات أقوى مما كان عليه أضعافاً مضاعفة، ومن كان عاجزاً عن حمايته من أميركي أو بريطاني، لن يكون قادراً على حمايته اليوم طالما فشل الأميركي حتى عن حماية نفسه في البحر الأحمر وكانت النتيجة واضحة".
سيناريوهات محتملة
من جهته، اعتبر الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية، عاصم المجاهد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التحريض والهجوم الإعلامي والاتهامات المتبادلة، ترفع مستوى الخطاب وتزيد من احتمالية الأخطاء في حسابات الطرفين، فكلما تضخمت اللغة وارتفعت حدة كلماتها، وتحولت إلى تهديدات علنية، أصبح من الصعب التحكم بهامش ضبط النفس، أما المناورات العسكرية في السعودية والتي جمعت دولاً إقليمية، فهي رسالة سياسية وعسكرية واضحة مفادها الاستعراض والردع، ولكنها لا تعني بالضرورة استعداداً للحرب". وبرأيه، فإن "وجود قوات ومناورات مشتركة في البحر الأحمر يعطي الرياض قدرة ردع أوسع، ويضيّق هامش المناورة أمام الحوثيين، وفي الوقت ذاته، يمنح الرياض خيارات تكتيكية أوسع في حال تطورت الأمور إلى اشتباك محدود في البحر الأحمر، ويعطي رسالة أن السعودية قادرة على المواجهة، وتأمين مصالحها في البحر الأحمر والممرات البحرية".
مجيب شمسان: صنعاء لا يمكن أن تقبل ببقاء وضع اللاحرب واللاسلم أو وضعية خفض التصعيد
واعتبر الباحث أن "كلا الطرفين لا يرغبان في سجال مفتوح في الوقت الراهن، فالسعودية منشغلة بحسابات أمنية وسياسية داخلية وإقليمية، والحوثيون أيضاً في طور موازنة بين طموح تصعيدي وحاجة للبقاء الداخلي، وتجنّب انكشافات خطيرة قد تهدّد وجودهم، أضف إلى ذلك أن اللعب بالوكالة والردع المتبادل عبر الضربات المحدودة والعمليات البحرية والطائرات المسيّرة يخدم أهداف الطرفين من دون الدخول في حرب تقليدية مفتوحة، كما أن الوساطات الإقليمية والدولية تظهر كلما تصاعدت الأوضاع ما يقلّل احتمال تحول كل تهديد إلى حرب كاملة، ولذلك نرى الآن تحريك المفاوضات في عمان". علماً أن المبعوث الأممي هانس غروندبرغ زار بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني سلطنة عُمان أجرى فيها مناقشات مع كبار المسؤولين العُمانيين وفريق التفاوض التابع لجماعة الحوثيين بالإضافة إلى نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي، حول سُبل التوصل إلى تسوية سياسية تفاوضية من أجل إنهاء النزاع في اليمن.
وأشار المجاهد إلى أن "التحريض والخطاب العسكري أداة تعبئة وجزء من هوية سياسية وجماهيرية لدى جماعة الحوثيين التي تعي أن الحرب تمدها بالشرعية كـ(حركة مقاومة)، وتُمكّنها من تعبئة الشارع، وهذا صحيح لكنها ليست الحالة الوحيدة التي تعمل فيها الجماعة سياسياً، فالمرحلة الأخيرة أظهرت أيضاً قدراً من المرونة التكتيكية، والسعي إلى خلق أوراق تفاوض، ولذلك هم يقيسون المناخ الإقليمي قبل أي قرار مفتوح انطلاقاًُ من واقعهم الداخلي، ومن حسابات التحالفات الخارجية". وبحسب الباحث، فإن الحوثيين "يستثمرون أيضاً الصراع لتوليد شرعية مقاومة، وبقاءهم يعتمد جزئياً على حالة التعبئة، لذلك فإن الجماعة تميل إلى فتح جبهات محدودة عندما تقرأ أن الكلفة على خصمها أقل من كلفتها الداخلية، لكن هذا لا يعني بالضرورة رغبة في حرب شاملة بل تكتيكات لرفع سقف الضرر المقابل وتحقيق مكتسبات استراتيجية أو تفاوضية".
أما عن السيناريوهات المحتملة، فلفت الباحث إلى "أننا أمام ثلاثة منها في المرحلة المقبلة: السيناريو الأول هو تصعيد محدود يتحاشى الحرب الشاملة، حيث قد يكون هناك تبادل ضربات جوية وبحرية وطائرات مسيرة واستهدافات ليلية محدودة يستعمل فيها الطرفان أدوات الردع، دون عبور خطوط حمراء استراتيجية، وهذا السيناريو هو الأكثر احتمالاً في المدى القريب، لأن كلا الطرفين يريد اختبار الآخر، مع تجنّب فتح جبهة واسعة، أما السيناريو الثاني فهو بقاء الوضع على ما هو عليه، بمعنى استمرار المواجهة الإعلامية وتبادل التهديدات دون تحولها إلى فعل على الأرض، أما السيناريو الثالث، فحرب واسعة ومطولة تتضمن عمليات مواجهة واسعة، مع حملة جوية تهدف إلى تغيير ميزان القوة على الأرض، وهذا سيناريو متطرف وقليل الاحتمال حالياً لأن تكلفة هذا الخيار شديدة، وقد تُورّط أطرافاً إقليمية ودولية بشكل مباشر".