يعاني سكان مدينة تعز في اليمن من صعوبات للحصول على مياه الشرب، مع بيع مياه ملوثة بأسعار باهظة بالتزامن مع أزمة شح المياه المستمرة منذ أكثر من شهرين، وقد ساهمت المياه الملوثة بتزايد الأمراض.
وتواجه مدينة تعز في جنوب غربي اليمن أزمة مياه غير مسبوقة، ما ضاعف أسعار صهاريج المياه بشكل يفوق القدرة الشرائية للمواطنين، إذ ارتفع سعر الصهريج سعة ستة آلاف لتر من 24 ألف ريال يمني إلى 120 ألف ريال (الدولار يساوي 1600 ريال)، وتسبب ذلك في تضرر معظم الآبار الجوفية.
وفي ظل هذه الأزمة، انتشرت مياه تُعبَّأ من آبار ملوثة في غرب تعز، وتباع للمواطنين في ظل غياب الرقابة الحكومية، كما انتشرت في الآونة الأخيرة صهاريج مياه صالحة للشرب مخلوطة بمياه مالحة لم تخضع للتحلية، ورغم ذلك تباع باعتبارها مياه شرب. وتعتمد آلية بيع المياه في اليمن على شراء أصحاب الصهاريج المياه من الآبار الخاصة وبيعها للمواطنين بشكل غير منظم، وبعيداً عن الجهات الرقابية، في ظل عجز الحكومة عن إعادة تشغيل محطات المياه التي تضررت كثيراً بفعل الحرب التي اندلعت في البلاد قبل أكثر من عشر سنوات.
من مدينة تعز، يقول حسام هزاع، لـ"العربي الجديد": "نعاني منذ نحو شهرين من أزمة مياه خانقة، ورفع أصحاب الصهاريج سعر الماء، وفوجئت بعد شراء صهريج مياه أخيراً بأن الماء ملوث، وحين لاحظت تغير طعمه توقفت عن استخدامه، ورفعت شكوى إلى المحافظة، لكن من دون أي تفاعل معها".
من جانبه، يقول عبده الصبري، وهو صاحب صهريج لبيع المياه، لـ"العربي الجديد"، إن "عدداً من أصحاب الصهاريج يلجأون إلى التعبئة من آبار في منطقة الحوبان التابعة للحوثيين، وهم لا يعرفون شيئاً عن طبيعة مياه هذه الآبار التي يكون الماء في بعضها غير صالح للاستخدام، والبعض يلجأ إلى تعبئة المياه من آبار ملوثة في جبل حبشي، ونتيجة غياب الرقابة، ويبيع بعض البائعين هذه المياه الملوثة مستغلين شح المياه في المدينة".
وتعد منطقة "السعدة المعيان" في عزلة بني عيسى، بمديرية جبل حبشي، مصدراً رئيسياً للمياه الملوثة التي تباع في تعز، وتداول ناشطون على وسائل التواصل صوراً للآبار السطحية الملوثة، وبعضها متعفنة نتيجة التلوث البيئي، بينما ناشد السكان السلطة المحلية بتفعيل الرقابة على مصادر تعبئة صهاريج المياه لحماية السكان من خطر الماء الملوث، وردم الآبار الملوثة. وأدى انتشار المياه الملوثة إلى تفشي عدد من الأمراض، في مقدمتها الكوليرا، الذي أشارت أحدث حصيلة إلى أن عدد المصابين به في تعز يبلغ 2025 منذ مطلع العام الحالي، توفي منهم خمسة أشخاص. كما تعد المياه الملوثة من أسباب مرض السرطان، وسجلت تعز 884 إصابة خلال النصف الأول من العام الحالي.
وتقول الطبيبة بشرى قاسم، لـ"العربي الجديد"، إن "المياه الملوثة تشكل خطراً كبيراً على صحة الإنسان نتيجة احتوائها على العديد من الميكروبات والمواد الكيميائية، والتي تسبب العديد من الأمراض الخطيرة، كالسرطان، والكوليرا، والإسهال الحاد، والتيفوئيد، والتهاب الكبد، وتؤثر أيضاً على الكلى والجهاز البولي بشكل عام، ووجود عناصر سامة في المياه الملوثة يعد من أبرز أسباب الإصابة بالسرطان، كما تؤثر على الجهاز العصبي، وتسبب تشوهات للأجنة، وتجعل الأطفال أكثر عرضة للإصابة بالكوليرا وفقر الدم".
وتعاني مدينة تعز من أزمة مائية متفاقمة، حيث إن مقدار الضغط على موارد المياه، أو ما يسمى بالإجهاد المائي، يبلغ في المدينة 300%، ما يعني أن المدينة تستهلك ثلاثة أضعاف المياه التي تدخل إلى أحواضها المائية. وكانت تعز قبل الحرب المندلعة في 2015 تعتمد على 88 بئراً جوفية، واليوم لا يعمل فيها سوى 21 بئراً، أي أنها فقدت خلال الحرب 67 بئراً، كما فقدت أكثر من 127 كيلومتراً من شبكة توزيع المياه، ولم يتبقّ لاستخدام السكان سوى 5.768 متراً مكعباً من أصل أكثر من 20 ألف متر مكعب من المياه.
ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإن أكثر من 17 مليون يمني يعانون من عجز مائي حاد، ويواجهون صعوبات في الحصول على مياه الشرب ومياه الاستخدام اليومي. ويحذر المكتب الأممي من أن استمرار هذا الوضع يهدد حياة الملايين ويفاقم انتشار الأمراض الوبائية، مثل الكوليرا والإسهالات الحادة.
وفي تقرير سابق، حذر البنك الدولي من أن مشكلة توفير المياه الصالحة للشرب ستكون من بين أكبر التحديات التي تواجه اليمنيين خلال السنوات القادمة، مشيراً إلى أن غالبية السكان يعتمدون على مصادر مياه غير آمنة، أو يشترونها بأسعار باهظة تبتلع ما تبقى من دخولهم شبه المعدومة.